إلغاء مصطلح "كفيل"- نحو علاقة عمل عادلة ومسؤولة

المؤلف: خالد السليمان10.23.2025
إلغاء مصطلح "كفيل"- نحو علاقة عمل عادلة ومسؤولة

أصدرت وزارة التجارة توجيهًا هامًا، حسبما أفادت به صحيفة «عكاظ» الغراء يوم أمس، حيث خاطبت اتحاد الغرف التجارية مشددةً على ضرورة امتناع جميع المؤسسات، سواء الحكومية أو الخاصة، عن استخدام مصطلح "الكفيل" المهجور، والاكتفاء بدلًا منه بمصطلح "صاحب العمل" الرصين، وهو المصطلح المعتمد رسميًا في المادة الثانية من نظام العمل المعمول به. وبحسب التعريف القانوني، فإن صاحب العمل هو ذلك الشخص الطبيعي الذي يباشر عمله لصالح صاحب العمل الحقيقي، ويخضع لإدارته المباشرة أو إشرافه الدقيق، وذلك مقابل أجر معلوم ومحدد بشكل واضح!

إنني أتفق بشدة مع هذا التعميم الصادر عن وزارة التجارة الرشيدة، بل أرى أنه كان من الأجدر بنا أن نتخلى عن هذا المصطلح العتيق "كفيل" منذ أمد بعيد. ومع ذلك، يجب أن يصاحب هذا التغيير اللفظي تحولًا جذريًا في مفهوم "المكفول" أيضًا، بحيث يتحرر صاحب العمل من بعض الأعباء والمسؤوليات التي يلتزم بها دون مسوغ قانوني مقنع. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك، المسؤولية عن تغطية نفقات ترحيل العامل المخالف للنظام والقانون، فمن الأهمية بمكان أن يدرك كل عامل مسؤوليته الفردية والشخصية عن تبعات ومآلات أي مخالفات قانونية يرتكبها، والتي قد تترتب عليها غرامات مالية باهظة أو عقوبات جزائية رادعة. يجب أن يعي الجميع، بلا استثناء، أن كل فرد في هذا المجتمع يتحمل المسؤولية الكاملة عن أفعاله وتصرفاته وعن الأعمال التي يقترفها!

ومما لا يخفى على أحد، أن الثقافة السائدة قديمًا بشأن العلاقة بين الكفيل والمكفول قد شهدت تحولات عميقة وجذرية في مجتمعنا، وذلك بفضل المتغيرات المتلاحقة التي طرأت على أنظمة العمل والتشريعات العمالية، والتطور المطرد في قواعد تنظيم العلاقة بين أطراف سوق العمل. فقد منحت أنظمة العمل الحديثة العاملين قدرًا كبيرًا من الحرية في الانتقال إلى أصحاب عمل آخرين وفقًا لضوابط واضحة تضمن حفظ الحقوق وتصونها، كما مكنتهم من اتخاذ قرارات مصيرية كانت في الماضي القريب خاضعة لقيود مشددة وتتطلب الحصول على موافقة "الكفيل" وتأشيرته!

في عالمنا اليوم، يحمي القانون بعدالة وإنصاف حقوق جميع الأطراف المنخرطة في علاقة العمل، ويحمل كل طرف المسؤولية الكاملة عن الوفاء والالتزام ببنود عقود العمل المبرمة، والتعويض العادل عن أي إخلال بتلك البنود يضر بمصلحة الطرف الآخر ويؤثر سلبًا على حقوقه المشروعة. وتجدر الإشارة إلى أن أنظمة العمل السعودية تتوافق بشكل كبير مع المعايير المعتمدة في أنظمة العمل الدولية، مما عزز بشكل ملحوظ مؤشرات العمل السعودية ورفع من تصنيفها لدى المنظمات الدولية المتخصصة في هذا المجال الحيوي!

وباختصار شديد.. لقد ولى عهد الكفيل والمكفول إلى غير رجعة، ولم يعد له وجود في قاموس علاقات العمل الحديثة، بل نحن أمام طرفين متساويين في الحقوق والواجبات تربطهما علاقة عمل يحكمها القانون العادل والقضاء النزيه!

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة